بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمام المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد :
اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة
فإن
من المعروف لدى الجميع أن لغة الضمان تجد في أوساط الناس اهتماما بالغا
وعناية كبيرة ، في بيعهم وشرائهم وعموم تجارتهم، فليست السلع المضمونة،
والبضائع التي عليها ضمانات، في المكانة لدى الناس ، كالسلع التي ليس عليها
ضمان ، وهذا يؤكد شدة اهتمام الناس بالشيء المضمون ، أكثر من غيره مما ليس
كذلك ' على تفاوت كبير فيها من حيث مصداقيتها ، ولهذا يشتد اهتمام الناس
بهذا الأمر أكثر ، إذا كان صاحب الضمان معروفا بالصدق ،متحلياً بالوفاء
والأمانة ، وكانت الأمور التي ينال بها الضمان أموراً يسيرة سهلة ،لا تلحق
الناس شططا، ولا تكلفهم عنتاً.
فكيف إذا كان الضامن رسول الله صلى
الله عليه وسلم الصادق المصدوق ، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي
،وكيف إذا كان المضمون جنة عرضها السماء والأرض ، فيها مالا عين رأت ، ولا
أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وكيف إذا كانت الأمور التي ينال بها هذا
الضمان أمور سهلة وأعمالا يسيرةً لا تتطلب جهداً عظيماً ولا كبير مشقة .
فتأملوا
_ رعاكم الله _ نص هذا الضمان العظيم : روى الإمام أحمد في مسنده وابن
حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وغيرهم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم
الجنة : اصدقوا إذا حدثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدوا إذا ائتمنتم ،
واحفظوا فروجكم ، وغضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم » انظر السلسلة الصحيحة
للألباني رحمه الله رقم ( 1470)
إنه ضمان بضمان ووفاء بوفاء «
اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة » ستا من الأعمال ما أيسرها ،
وأمورا من أ بواب الخير ما أخفها وأسهلها ، من قام بها في حياته ، وحافظ
عليها إلي مماته ، فالجنة له مضمونة ، وسبيله إليها مؤكدة مأمونة { وأزلفت
الجنة للمتقين غير بعيد * هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ * من خشي الرحمن
بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود * لهم ما يشاءون
فيها ولدينا مزيد } [ ق : 31-35 ]
فأما الخصلة الأولى من هذه الخصال
فهي : الصدق في الحديث ، فالمؤمن صادق في حديثه ، لا يعرف الكذب إليه
سبيلا ، ولا يزال محافظا على الصدق في حياته إلي أن يفضي به صدقه إلي الجنة
، وفي الحديث «عليكم بالصدق ، فإن الصدق في يهدي إلي البر، والبر يهدي إلي
الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ».
رواه مسلم .
وأما الخصلة الثانية فهي الوفاء بالوعد والالتزام
بالعهد ، وهي سمة من سمات المؤمنين ، وعلامة من علامات المتقين ، فهم لا
يعرفون خلفا في الوعود ولا نقضا للعهود , والوفاء صفة أساسية في بنية
المجتمع المسلم , حيث تشمل سائر المعاملات , فالمعاملات كلها والعلاقات
الاجتماعية والوعود والعهود تتوقف على الوفاء , فإذا أنعدم الوفاء انعدمت
الثقة وساء التعامل وساد التنافر .
وأما الخصلة الثالثة فهي أداء
الأمانة , وهي من أعظم الصفات الخلقية التي مدح الله أهلها وأثنى على
القائمين بها , وهي من كمال إيمان المرء وحسن إسلامه , وبالأمانة يحفظ
الدين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والعلوم وغير ذلك , وفي الحديث
«المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم »
رواه أحمد . وإذا سادت الأمانة في المجتمع عظم تماسكه , وقوي ترابطه, وعم فيه الخير والبركة .
وأما
الخصلة الرابعة فهي حفظ الفروج , أي : من أن تفعل الحرام أو تقع في الباطل
{ والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أوماملكت أيمانهم فإنهم غير
ملومين , فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المؤمنون : 5-7 ] . وفي
حفظ الفروج حفظ للنسل , ومحافظة على الأنساب , وطهارة للمجتمع , وسلامة من
الآفات والأمراض .
الخصلة الخامسة من هذه الخصال العظيمة هي غض البصر أي من النظر إلي الحرام , والله يقول
{
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير
بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } الآية [ النور
: 30 ,31 ] .
وغض البصر فوائده عظيمة , فهو يورث العبد حلاوة
الإيمان ونور الفؤاد ,وقوة القلب , وزكاء النفس وصلاحها , وفيه وقاية من
التطلع للحرام والتشوف للباطل .
وأما الخصلة السادسة فهي كف الأيدي
, أي عن إيذاء الناس أو الاعتداء عليهم أو التعرض لهم بسوء , والمؤذي
لعباد الله يمقته الله ويمقته الناس وينبذه المجتمع , وهو دليل علي سوء
الأخلاق وانحطاط الآداب , وإذا كف الإنسان أذاه عن الناس دل ذلك على نبيل
أخلاقه وكريم آدابه وطيب معاملته , وحظي بعظيم موعود الله في ذلك , فكيف
إذا سما خلق الإنسان وعظم أدبه ولم يكتف بذلك , حتى أماط الأذى عن سبيل
المؤمنين وجادتهم , روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مر رجل بغصن شجرة على ظهر الطريق فقال
والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة » رواه مسلم .
فهذه أبواب الجنة مشرعة , ومنارتها ظاهرة , وسبيلها ميسرة , فلنغتنم ذلك قبل الفوات ولنستكثر لأنفسنا من الخير قبل الممات .
أعاننا الله جميعا على القيام بذلك , ووفقنا لكل الخير , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وأصحابه أجمعين .